الأحد، 11 أكتوبر 2009

طفولة

لم أكن مهملة أيام الإبتدائي إطلاقاً، لكن كانت تعمرني حالة ذهول ربما كان هذا هو أفضل عنوان لها

أحضر المدرسة، أستقر على مقعدي ذاهلة عن زميلاتي وعمّ كانت حكاياهم.. بسرعة رائعة يمضي اليوم تدخل مدّرسة وتخرج أخرى تتكلم هي، أفهم أنا وتمضي لحال سبيلها .. لم يتفاعل أيّ من ذلك داخلي.. لم يقل أحدهم مايلفت النظر أو يستدعي الفكر لذلك كنت تقريبا مغلقة العينين عدا من فرجة صغيرة تسمح للكميات المعرفية البسيطة بالدخول! حتى أذكر أنني لم أعلم كيف أتابع النص بالسطر والحرف كما كان يجب! فالأستاذة تقرأ في السطر الأخير ربما وأنا أستمع واضعة يدي على السطر الثاني :) ما كان منها سوى أن أخبرت الوالدة وهذه مشكلة اقتضتني أن أفهم ماذا يعني تتبع مع المدرّسة فيما بعد.

أتيت بشهادتي نهاية العام الأول وكان ترتيبي ال 13 على الفصل ودرجات كاملة جميعا عدا في القرآن والمطالعة :]

استمر ذهولي ولا مبالاتي، أذكر أنني كنت أنجذب أكثر لتطبيقات الأفكار العملية منها، و يالله كم شغلت بتحضير نبتتي الأولى على القطن، نبتت وكبرت ولم تحتمل رقة القطن حملها.. كنا حينها في خميس مشيط حيث التربة زراعية (*) .. أحضرت أصيصاً (*) ملأته تربة وحبوب طماطم لأنها كانت أسهل ما بإمكاني الحصول عليه، ثم أتبعتها بأصيص آخر لنبتة ريحان، أهدتني بذوره جارتنا العجوز بعد أن رأتني حول أصيصاتي أدندن!

المهم مضت الأيام وأنا أسجل نظرياتهم تسجيلا أصماً، وأكاد أحترق لتنفيذ ما سمعته أو رأيته.. درجاتي كانت شيئا لا أعيه سوى ابتسامة أبي وأمي حينا، وغضبهم أخرى من تدنيها في المطالعة والقرآن لتكون نمطاً عاما في أول 3 أعوام! أذكر أن أبي قام مرة بإطراء بنت صديقه، زميلتي في الصف لتفوقها، علّني أفهم ماذا تعني المراتب الأولى... لكن حكاية "إياك أعني واسمعي ياجارة" لم تؤت أكلها فالجارة كما يبدو "سابت الحتة وطفشت"

لا أدري كيف صرت أهتم بعدها بالتحصيل العلمي، كيف انتقلت عدستا مجهري من الأنا التي كنت أسعدها، إلى "الهم" لترتبط سعادتي بهم..! يجب الإشارة إلى أنني لم أكن طموحة إلى ذلك الحد ولم أتفانى في خدمة "الهُم"أبداً فما أن تلتمع في خيالي أناي المتواضعة حتى أترك كل شيء وأرضيها بشقاوة صغيرة، تفكيك جهاز، إختراع محلول غسيل كاد يودي بحياتي لولا أن الله سلّم .. طبعاً في لحظتها لم أكن أرى عينا الوالدة أوغيرها .. كنت أرى فرقعة ضوء في الأفق تقودني نحوها!

أذكر أنني كنت فيلسوفة إلى حد ما، فأنا أبرر رغباتي بنوايا فاضلة وأهداف سامية.. مثلا مرة كنت أود الهروب من الثلاثي الأدني من الطعام (*) (البصل والثوم والطماطم)

فقلت لأمي جربي ولو مرة أن لا تضعيها، وسترين أن الأكل سيكون لذيذا وذا نكهة مميزة... للأسف لم تنطل عليها تسويقياتي،

فقط جربي!..

أبداً ..

لمِ؟ ...

ياستي العالم بتطبخ كدة من يوم يومها! ..

تأتي إجابتي اللي ما أنساها لليوم و لازلت أستخدمها بأريحية ورأيت بعد أن كبرت أن كثيرين يستخدمونها مثلي أيضاً .. "أيوة يا أمي عشان كدة إحنا ما بنتطور ولا حنتطور ! إذا إنتي لسة بتطبخي زي ما جدتي كانت بتعمل بالزبط!" امههم :@


شيء واحد لازلت أذكره، وربما كان هو من جعلني أنزل إلى الساحة .. لأغنم ما يمكنني أن أغنمه أو لأخسره! في إحدى نتائجي أذكر كنت الثالثة على الصف، ولحظي الجميل شاركتني فيه إحداهن من صويحباتي.. كانت درجاتنا تماما واحدة، والكسور أيضا ..ما سُجل هو أنها الثالثة وأنني الثالثة مكرر لا بأس عدت فرحة للبيت، أقول للناس أنني الثالثة ينظرون إلى الشهادة ويقولون لكن "مُكرر"! حصل أنه كان هناك تكريم أيضا، تم النداء على الثالثة.. ثم بعدها قمت أنا لأستلم عن الترتيب الثالثة "مكرر"، بعد أن بردت حرارة الترتيب.. بل أن الأغلب كان قد تهيأ نفسيا لسماع "الرابعة"..

خلاصة القول أن أحدا لم يعترف لي بذلك فأنا لست الرابعة ولست الثالثة .. شيء بين هذا وذاك! رغم تطابق الدرجات!

ومن يومها وأنا مهتمة بمشاعر فئة المكرر، وأستشعر إحساسهم، وأحامي عنهم! في العام الماضي كان الأوائل على المملكة 10 كلهم الأولى سجلت إحداهن أولاً والبقية لم يحظين باللقب إلا مكرراً. بحق الإله ألا تغيظ أن تكون أنت مكرراً ولم تأتِ بجديد رغم أنك فعلت ما فعله البقية تماماً..

آه..ذكريات الطفولة.. أيام! براءة .. غفلة.. متعة! وفوق كل هذا لم نكن نعي أننا نملك كنوزنا تلك! أيامنا هذه أيضا ستكون كنوزاً في المستقبل.. لكننا نجد متعتنا في براءة الطفولة، ويجد كهولنا متعتهم في نشاط الشباب والشيوخ يندبون عقل الكهول ليرد عليهم الجميع ما أجمل حكمتكم!

أكثر ما يعجبني في سماع حكايات الطفولة، أنها لا تنتهي .. وكما بدأت تنتهي دوماً بحميمية وشغف.. ويقوم كلّنا ليعلن عن عبقريته الضائعة.. ونكاية فينا وفي مشاعرنا يقول د. طارق السويدان أن نسب الإبداع في أعمار الأقل من الخامسة في العادة هي 80%.

-----------------------------------

* (لم أكن أفهم ذلك طبعا) فقط أن الشجر يحتاج لتربة كي ينبت، ربما لو كنت حيث أنا في المدينة سأصاب بإحباط وخيبة أمل!

* (هذه الكلمة منقولة من قصص المكتبة الخضراء :)

* من الآية "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق